يُعد قصر شونبرون (Schönbrunn Palace) واحداً من أعظم المعالم التاريخية والثقافية في النمسا، ويجسد روعة الحقبة الإمبراطورية بفضل هندسته المعمارية الباروكية وحدائقه الساحرة. يقع هذا القصر المهيب في العاصمة فيينا، وكان المقر الصيفي للعائلة الإمبراطورية الهابسبورغية لعدة قرون. يجذب شونبرون ملايين السياح سنوياً بفضل ثرائه التاريخي وجماله الفني، مما يجعله واحداً من أبرز مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو.
تاريخ قصر شونبرون:
- بدأت قصة قصر شونبرون في أواخر القرن السادس عشر عندما كان الموقع يُستخدم كأرض للصيد من قِبل العائلة المالكة. في عام 1569، اشترى الإمبراطور ماكسيميليان الثاني الأرض وأطلق عليها اسم “شونبرون”، والذي يعني “النبع الجميل” نسبةً إلى نبع المياه العذبة الذي اكتُشف هناك.
- لكن القصر كما نعرفه اليوم بدأ يأخذ شكله الفعلي في عهد الإمبراطور ليوبولد الأول في أواخر القرن السابع عشر، حيث أمر المهندس المعماري الشهير يوهان برنهارد فيشر فون إيرلاخ بتصميم قصر فاخر ينافس قصر فرساي في فرنسا.
- في عهد ماريا تيريزا، الإمبراطورة الشهيرة التي حكمت النمسا من 1740 إلى 1780، شهد القصر ازدهاراً هائلاً وتحول إلى مقر إقامة صيفي فاخر للعائلة الإمبراطورية. كانت ماريا تيريزا تحب القصر بشدة، وأشرفت على العديد من التوسعات والزخارف الداخلية التي أضفت عليه طابعاً باروكياً رائعاً.
- خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، شهد القصر أحداثاً تاريخية مهمة، من بينها توقيع معاهدة شونبرون عام 1805 خلال حروب نابليون، وزيارة العديد من الشخصيات البارزة مثل نابليون بونابرت.
- بعد سقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية في عام 1918، أصبح القصر ملكاً للدولة النمساوية وتحول إلى معلم سياحي. وفي عام 1996، تم إدراجه ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو تقديراً لقيمته التاريخية والمعمارية.
قصر شونبرون روعة الهندسة المعمارية لقصر شونبرون:
يتميز قصر شونبرون بهندسته المعمارية الباروكية التي تجمع بين الفخامة والبساطة في آن واحد. يتكون القصر من أكثر من 1400 غرفة، لكن يُسمح للزوار بدخول حوالي 40 غرفة فقط، والتي تضم صالات الاستقبال، وغرف النوم الملكية، والممرات المزخرفة.
يتميز الواجهة الخارجية للقصر بلونها الأصفر الفريد، والذي أصبح يُعرف بـ”الأصفر الشونبروني”، وهو لون مرتبط بالهوية الإمبراطورية النمساوية. تمتد الواجهة على طول أكثر من 175 مترًا، وتزينها النوافذ الكبيرة والأعمدة الرخامية التي تعكس الطراز الباروكي في أبهى صوره.
الديكورات الداخلية للقصر تُعد من أروع ما يمكن مشاهدته، حيث تحتوي على زخارف مذهبة، ولوحات فنية تاريخية، وأسقف مزخرفة بلوحات فنية بارزة. من بين الغرف الشهيرة:
- قاعة المرايا (Hall of Mirrors): حيث كان يعزف الطفل المعجزة فولفغانغ أماديوس موتسارت في حفلات خاصة للإمبراطورة ماريا تيريزا.
- الغرفة الزرقاء الكبرى (The Blue Chinese Salon): والتي كانت تُستخدم للاجتماعات الرسمية، وتتميز بجدران مزينة برسومات صينية فاخرة.
- غرفة نابليون: التي أقام فيها نابليون بونابرت أثناء احتلاله لفيينا.
الحدائق الإمبراطورية في قصر شونبرون:
تمتد حدائق قصر شونبرون على مساحة واسعة تزيد عن 1.2 كيلومتر مربع، وتُعد من أجمل الحدائق في أوروبا. صُممت الحدائق بأسلوب الباروك الفرنسي، وهي مليئة بالمسارات المتعرجة، والنوافير الرائعة، والتماثيل الكلاسيكية.
من أبرز معالم الحدائق:
- الجلوريت (The Gloriette): وهو مبنى ضخم يقع على تل يطل على القصر، وكان يُستخدم كقاعة للطعام والإطلالات البانورامية. يمكن للزوار الصعود إلى سطح الجلوريت للاستمتاع بمشهد خلاب لفيينا.
- النافورة الكبرى (The Neptune Fountain): وهي نافورة ضخمة تُمثل الإله نبتون محاطًا بالحوريات والمخلوقات البحرية.
- المتاهة (The Maze): وهي متاهة طبيعية مصنوعة من الأشجار العالية، تقدم تجربة ممتعة للزوار من جميع الأعمار.
- الحديقة الخاصة (Privy Garden): وهي حديقة مزخرفة كانت مخصصة للعائلة الإمبراطورية فقط، وتتميز بتنسيق زهور مذهل.
قصر شونبرون مرافق جذب سياحي مميزة داخل قصر شونبرون:
بجانب القصر والحدائق، يضم مجمع شونبرون العديد من المرافق السياحية التي تُثري تجربة الزوار:
- حديقة حيوانات شونبرون (Tiergarten Schönbrunn): وهي أقدم حديقة حيوانات في العالم، تأسست عام 1752، وتضم أكثر من 700 نوع من الحيوانات. إنها وجهة رائعة للعائلات.
- متحف الأطفال (Children’s Museum): يقدم للأطفال فرصة لتجربة الحياة الإمبراطورية من خلال ارتداء الأزياء الملكية واستكشاف ألعاب القرن الثامن عشر.
- الدفيئة الكبرى (The Palm House): وهي دفيئة زجاجية ضخمة تحتوي على مجموعة مذهلة من النباتات الاستوائية والنادرة.
- عربة الخيول الإمبراطورية (Imperial Carriage Museum): يعرض هذا المتحف مجموعة من العربات الإمبراطورية الفاخرة التي كانت تُستخدم من قبل العائلة المالكة.
نصائح سياحية لزيارة قصر شونبرون:
إذا كنت تخطط لزيارة قصر شونبرون، فإليك بعض النصائح المهمة لضمان تجربة سياحية مميزة:
- شراء التذاكر مسبقًا: لتجنب طوابير الانتظار الطويلة، يُفضل شراء التذاكر عبر الإنترنت، خاصة خلال موسم الذروة.
- الجولات الصوتية والمرشدين: يقدم القصر جولات صوتية بلغات متعددة تساعدك على فهم تاريخ كل غرفة. كما يمكنك الانضمام إلى جولة مع مرشد سياحي إذا كنت تفضل التفاصيل المعمقة.
- أفضل وقت للزيارة: يُفضل زيارة القصر في الصباح الباكر أو في وقت متأخر من بعد الظهر لتجنب الازدحام.
- استكشاف الحدائق مجانًا: دخول الحدائق مجاني، لذا يمكنك قضاء وقت طويل في التجول بين المسارات والنوافير والاستمتاع بجمال الطبيعة.
- تجربة القهوة النمساوية: لا تفوّت فرصة الجلوس في أحد المقاهي داخل القصر أو في محيطه لتجربة القهوة النمساوية التقليدية مع قطعة من كعكة “Sachertorte” الشهيرة.
مقترح لك: معبد أبو سمبل
الخلاصة
يظل قصر شونبرون أحد أعظم المعالم السياحية في النمسا، يجسد فخامة الماضي الإمبراطوري وروعة الفن المعماري الباروكي. سواء كنت مهتماً بالتاريخ، أو الفن، أو مجرد الاستمتاع بجمال الطبيعة، فإن زيارة قصر شونبرون ستكون تجربة لا تُنسى. إن القصر ليس مجرد مبنى قديم، بل هو شهادة حية على تاريخ أوروبا الغني وثقافتها المتنوعة.
تعليقات