قصة الأعرابي والضيفان المجهولان
في أعماق الصحراء، حيث تمتد الرمال بلا نهاية وتتناثر الخيام كالجواهر في بحرٍ ذهبي، عاش أعرابي بسيط عُرف بكرمه وشجاعته. رغم فقره وضيق حاله، لم يتردد يومًا في مد يد العون لكل من يطرق بابه، مؤمنًا بأن الضيافة شرف لا يقدر بثمن. وذات ليلة حالكة، قَدِم إلى خيمة الأعرابي ضيفان غامضان، ليبدأ معهما فصل جديد من حياته، مليء بالمفاجآت والابتلاءات، وليكتشف أن الصحراء لا تخفي الرمال فقط، بل تخبئ أيضًا أسرارًا لا تخطر على بال.
تُعلمنا هذه القصة أن التوكل على الله هو مفتاح النجاة والتوفيق في الحياة. فقد واجه الأعرابي ظروفًا صعبة في الصحراء، لكنه لم يفقد يقينه بأن الله سيجزيه خيرًا على كرمه وإحسانه.
حياة الأعرابي في الصحراء
عاش الأعرابي في قلب الصحراء حيث كانت الطبيعة القاسية تشكل نمط حياته اليومي. كان يعتمد على الترحال بحثًا عن الماء والكلأ لإبله، مسترشدًا بالنجوم في رحلاته الطويلة. كانت خيمته المتواضعة ملاذًا له ولعائلته، حيث يجتمعون حول النار ليتسامروا ويستمعوا إلى القصص والحكايات التي تناقلها الأجداد.
رغم قسوة الصحراء، تعلم الأعرابي كيف يتكيف مع ظروفها، فكان يقتصد في الماء ويعتمد على مهاراته في الصيد والرعي لتأمين قوته. لم تكن الحياة سهلة، لكنها منحت أهلها صلابة وعزة نفس لا تتزعزع، فالصحراء لا تحتمل الضعفاء، بل تصقل من يسكنها ليصبحوا أشداء في مواجهة تقلباتها.
الأعرابي الضيفان المجهولان
في ليلة مقمرة من ليالي الصحراء الهادئة، كان الأعرابي جالسًا أمام خيمته، يتأمل السماء المرصعة بالنجوم، حين لمح على البعد شخصين يقتربان منه بخطى هادئة. لم يكن يعرف من هما، لكن كرم الصحراء وعادات العرب فرضت عليه استقبال أي غريب كضيف واجب الإكرام.
نهض مسرعًا، ورحب بهما بحرارة دون أن يسألهما عن هويتهما أو وجهتهما، فقد كان من شيم العرب أن يُطعموا الضيف قبل أن يسألوه عن أمره. أدخلهما إلى خيمته، وقدم لهما الماء واللبن، ثم ذبح لهما شاة ليقدّم لهما الطعام، دون أن يظهر أي فضول لمعرفة من يكونان.
بعد أن تناولا الطعام، تبادل معهما أطراف الحديث، فوجدهما غريبين عن الديار، لكنهما حملا من الوقار والهيبة ما جعله يدرك أنهما ليسا عابرَي سبيل عاديين. لم يمضِ الوقت طويلًا حتى ودعاه وشكراه على كرمه، واختفيا في ظلمة الليل، تاركين الأعرابي في حيرة من أمره، يتساءل عن هويتهما، لكنه لم يندم لحظة على إكرامهما، فقد كان ذلك جزءًا من مبادئه التي لا تتغير.
الأعرابي مفاجأة هوية الضيفين
في صباح اليوم التالي، وبينما كان الأعرابي يجلس أمام خيمته يتأمل أثر الضيفين، اقترب منه أحد رجال القبيلة مسرعًا، وهو يلهث من فرط الانفعال. قال له بصوت متقطع: “يا رجل! هل علمت من كانا ضيفيك البارحة؟”
رفع الأعرابي حاجبيه بدهشة، وهز رأسه نافيًا، فهو لم يسأل الضيفين عن هويتهما. ابتسم الرجل وقال بحماس: “لقد كانا شخصين من كبار القوم، أحدهما أمير معروف، والآخر عالم جليل، كانا يسافران متخفيين لاختبار كرم الناس!”
لم يبدُ على الأعرابي أي تغير في ملامحه، بل اكتفى بالابتسام قائلاً: “الضيف ضيف، سواء كان أميرًا أو رجلًا بسيطًا، والكرم لا يُقدم حسب المكانة، بل هو واجب لا يُسأل عنه.”
كانت تلك المفاجأة درسًا للجميع، فقد أدركوا أن الكرم الحقيقي لا ينتظر المقابل، وأن الرجل الأصيل لا يميز بين ضيف وآخر، بل يُكرم الجميع بنفس النبل والمروءة.
تعليقات