الفصل الثالث من رواية العائش في الحقيقة
الفصل الثالث من رواية العائش في الحقيقة لنجيب محفوظ يواصل تتبع تطورات رحلة أخناتون في سعيه لنشر معتقداته الدينية الجديدة، حيث ينقل القارئ إلى مرحلة أكثر حدة وصداماً في مسيرته. بعد قراره بالدعوة لعبادة الإله آتون، يقرر أخناتون أن يؤسس عاصمة جديدة تحمل اسم أخيتاتون (تل العمارنة حاليًا) لتكون مركزاً لعبادته وموطناً لمعتقده. هذا الفصل يمثل خطوة رمزية وعملية في مسيرته، حيث يعبر عن رغبته العميقة في تحقيق رؤيته الدينية والتخلص من تأثيرات التقاليد القديمة.
بناء العاصمة الجديدة “أخيتاتون” يعد بمثابة إعلان صريح عن نية أخناتون في قطع العلاقة مع التقاليد الدينية القديمة التي كانت تتمركز في طيبة، التي كانت معقل الكهنة وكبار رجال الدين. يعكس هذا القرار رغبة أخناتون في تأسيس مجتمع جديد يرتكز على فكرة التوحيد وعبادة “آتون” فقط. يمثل انتقاله إلى “أخيتاتون” محاولة لتحرير المجتمع من النفوذ الديني والسياسي القديم، ولخلق بيئة تدعم أفكاره المتجددة.
يصف نجيب محفوظ العاصمة الجديدة كمدينة مفتوحة ومعبرة عن روح الانفتاح التي تبناها أخناتون، حيث لا وجود للتقاليد التي قيدت المصريين لقرون طويلة. تعكس المدينة، بتصميماتها ومعابدها المفتوحة، روح الدين الجديد الذي أراد أخناتون نشره؛ دين يرى أن “آتون” هو إله الشمس الذي يشرق على الجميع دون تمييز. من خلال العاصمة الجديدة، أراد أخناتون أن يعبر عن مبدأ الحرية والمساواة في الدين، حيث تفتح المدينة أبوابها لجميع من يريدون العيش وفقًا لمعتقدات “آتون”.
يتزايد التوتر بين أخناتون والكهنة الذين رأوا في قراره بناء مدينة جديدة تهديداً حقيقياً لسلطتهم ونفوذهم الديني في طيبة. أصبح أخناتون يشكل تهديداً مباشراً لرجال الدين التقليديين، الذين خسروا دعم الدولة وامتيازاتهم. يتجلى الصراع بين أخيتاتون و”طيبة كتجسيد للصراع بين الأفكار الجديدة التي يحملها أخناتون والقيم القديمة التي يدافع عنها الكهنة. يتضح في هذا الفصل أن بناء “أخيتاتون” ليس مجرد خطوة سياسية أو دينية، بل هو تحدٍ كبير للقوى التي ترفض هذا التغيير.
يتجلى في هذا الفصل عمق إصرار أخناتون على نشر عقيدته الجديدة، بالرغم من إدراكه حجم الصعوبات التي سيواجهها. يبرز محفوظ شخصية أخناتون كقائد قوي، لكنه أيضاً يتمتع بحسٍ رقيق وملتزم تجاه الحقيقة التي يؤمن بها. إنه شخصية مثالية تسعى لتحقيق رؤيتها، حتى وإن كلفها ذلك العزلة أو العداء. يعبر محفوظ هنا عن شخصية أخناتون كإنسان يتحمل مسؤولية كبيرة في سبيل أفكاره، مما يزيد من احترام القارئ له ويجعله يتعاطف معه.
الفصل الثالث من رواية العائش في الحقيقة يعدّ نقطة محورية في حياة أخناتون، حيث يسعى إلى تحقيق حلمه من خلال بناء مدينة تعكس رؤيته للدين والحياة. ورغم التحديات والصراعات التي بدأت تتعاظم بينه وبين القوى التقليدية، يظل أخناتون ملتزماً بمعتقداته ومبادئه. يعرض نجيب محفوظ من خلال هذا الفصل عمق التحديات التي يواجهها المصلحون، وكيف يمكن لأفكارهم أن تتجسد في أماكن وأحداث تغيّر مسار التاريخ.
انتقل الي الفصل الرابع
تعليقات