الفصل الرابع من رواية العائش في الحقيقة
يأخذ القارئ إلى مرحلة حرجة في حياة أخناتون، حيث تبدأ التحديات الحقيقية بالظهور نتيجة لتحولاته الدينية والسياسية. بعد أن نجح في بناء العاصمة الجديدة أخيتاتون ونقل نظامه الديني الجديد إليها، يجد أخناتون نفسه أمام واقع معقد، إذ أن قوة المعارضة لقراراته أخذت بالتصاعد، سواء من رجال الدين أو من أفراد الشعب الذين لم يتقبلوا بسهولة هذا التحول الكبير عن المعتقدات القديمة.
يبدأ الفصل الرابع بالكشف عن حالة من التوتر الداخلي التي يعيشها أخناتون، حيث يشعر بالخذلان تجاه ردود الفعل السلبية من قبل الشعب والكهنة. على الرغم من إيمانه القوي بعقيدته واعتقاده الراسخ بأن آتون هو الإله الواحد، إلا أن أخناتون يدرك أن الطريق لتحقيق حلمه ليس سهلاً. وتبدأ تظهر عليه علامات الحزن بسبب الصعوبات التي يواجهها في سبيل نشر معتقداته، فيبدأ يشعر بالخيبة لعدم استجابة الناس واستمرار تمسكهم بآلهتهم التقليدية.
يزداد الصراع بين أخناتون وكهنة آمون في طيبة، حيث يرفض الكهنة التخلي عن ديانتهم القديمة ويرون في دعوة أخناتون تهديداً لنفوذهم ومكانتهم. الكهنة، الذين يتمتعون بنفوذ واسع وقوة دينية عميقة، يقررون التصدي لأخناتون بكل الوسائل الممكنة، ويبدؤون في تعبئة الشعب وتحريضه ضد النظام الجديد. يظهر هذا الصراع ليس فقط كخلاف ديني، بل كصراع سياسي قوي يهدد استقرار مصر القديمة.
يظهر في هذا الفصل كيف بدأ الشعب يفقد ثقته في أخناتون. العديد من المصريين لم يتقبلوا فكرة عبادة إله واحد، خاصة أن الآلهة القديمة كانت مرتبطة بأعراف وتقاليد متجذرة في نفوسهم. الشعب يجد نفسه ممزقاً بين طاعة الملك وإيمانه الشخصي، مما يؤدي إلى تصاعد حالة من عدم الرضا والاضطراب الاجتماعي. ونرى أن أخناتون، رغم رغبته في تحقيق السلام والتوحيد، بدأ يشعر بالعزلة المتزايدة عن شعبه.
يظهر الجانب الإنساني لأخناتون بشكل عميق، حيث يعاني من صراع داخلي بين التمسك بإيمانه وبين إحساسه بالفشل. يبدأ يطرح أسئلة حول صواب قراراته، خاصة وأن النتائج لم تكن كما كان يتوقع. يصور محفوظ هذه الحالة النفسية بدقة، مما يجعل القارئ يشعر بقربه من مشاعر أخناتون ويفهم الألم الذي يعانيه في سبيل معتقداته.
يبرز الفصل أيضاً كيف أثرت تحولات أخناتون على علاقته بأسرته، وخاصة بزوجته نفرتيتي. يعرض محفوظ تفاصيل الصراعات التي نشأت داخل الأسرة الملكية، حيث بدأت نفرتيتي تتأثر بالضغوط الاجتماعية وتشعر بالقلق إزاء مستقبل المملكة. وتصبح العلاقة بينهما مشحونة بالاختلافات، مما يزيد من العزلة التي يشعر بها أخناتون حتى في دائرته الأقرب.
الفصل الرابع من رواية العائش في الحقيقة يبرز عمق المعاناة التي يتعرض لها أخناتون في سبيل معتقداته. على الرغم من إيمانه القوي، يجد نفسه في مواجهة قوى أكبر من طموحه. يعرض نجيب محفوظ هنا كيف يمكن للأفكار الجديدة أن تواجه رفضاً قوياً من المجتمع، وكيف أن السعي لتحقيق الحقيقة يمكن أن يكون محفوفاً بالعزلة والألم.
انتقل الي الفصل الخامس
تعليقات