رواية العائش في الحقيقة: رحلة نجيب محفوظ في كشف أسرار الإيمان والسلطة والحب

رواية العائش في الحقيقة: رحلة نجيب محفوظ في كشف أسرار الإيمان والسلطة والحب
رواية العائش في الحقيقة

الفصل السادس من رواية العائش في الحقيقة

فصل ذو دلالات قوية، حيث يصل الصراع الداخلي والخارجي للملك أخناتون إلى نهاياته المحتومة. يعرض هذا الفصل مراحل أخيرة ومؤثرة من حياة أخناتون، ويركز على التحولات التي عاشها نتيجة تمسكه بأفكاره ومبادئه، إلى جانب تجارب الهزيمة والخذلان. يمثل هذا الفصل أيضًا لحظة محورية تُبرز التراجيديا التي تحيط بشخصية أخناتون، إذ ينتهي حلم التوحيد الذي سعى إليه بانهيار مؤلم.

تصبح مدينة أخيتاتون، التي كانت رمزًا لطموح أخناتون الديني والسياسي، مكانًا يعجّ بالاضطرابات والتمرد. مع تفاقم معارضة الشعب، وازدياد ثورة الكهنة ضد عقيدته الجديدة، يتضح أن السيطرة على الوضع أصبحت مستحيلة، وأن المدينة الجديدة على وشك الانهيار. يبدأ أخناتون في مواجهة الحقيقة المريرة بأن بناء مجتمع جديد على أساس إيمانه لم يعد قابلًا للتحقق، ويتحول حلمه إلى مجرد ذكرى لمدينة تساقطت أمام معارضة شرسة.

يعرض نجيب محفوظ بعمق التحولات النفسية التي عاشها أخناتون في هذه المرحلة. إذ يدخل في حالة من التأمل والحزن العميق، ويحاول تقبل فشله وإنكاره لفكرة العيش دون أن ينشر رسالته. في هذا الفصل، يُصور محفوظ مشاعر أخناتون المتناقضة بين الاعتراف بالهزيمة ورغبته في الاستمرار في سبيل “الحقيقة”. يجد أخناتون نفسه متخبطًا بين إيمانه المطلق بأفكاره وشعوره بالخيانة من قبل أقرب الناس إليه، حتى من شعبه الذي لم يفهم مبادئه.

يتحول أخناتون في هذا الفصل إلى شخصية تعاني من العزلة الشديدة، ويبدأ يعيش حالة من الموت المعنوي، إذ لم يعد لديه أي سند حقيقي. يبدأ الناس بالابتعاد عنه، ويفقد دعم الطبقات المختلفة في المجتمع، حتى أن أولئك الذين أيدوه في البداية تخلوا عنه في النهاية. يُجسد هذا الفصل إحساس أخناتون بالعزلة، ليس فقط كملك بل كإنسان فقد الدعم في سبيل أفكاره، فيصبح متألمًا من كونه يعيش وسط شعب لا يشاركه نفس الإيمان.

الفصل يوضح خيبة أمل أخناتون من المقربين إليه، حتى من أصدقائه ومساعديه، الذين بدأوا في التخلي عنه والعودة إلى معابد الآلهة القديمة. يشعر أخناتون بمرارة الخيانة؛ فقد اكتشف أن حلمه الذي بني عليه كل شيء كان مجرد أوهام لم تجد أرضية صلبة في نفوس الناس. يظهر محفوظ كيف أن الخيانة والانقلابات يمكن أن تطال حتى الأصدقاء المخلصين حينما تتصادم المصالح والمعتقدات.

يتطرق هذا الفصل إلى فكرة أن عصر التوحيد قد انتهى بفشل ذريع، وأن آمال أخناتون قد تحطمت تحت ضغط التقاليد والعقائد الراسخة. يوضح محفوظ أن مثل هذه التحولات الجذرية في الفكر الديني لا يمكن أن تنجح إلا بتوافر ظروف ملائمة واستعداد جماعي، وهو ما لم يتحقق في حالة أخناتون. بهذا، ينتهي عهد أخناتون كقائد ديني ويصبح ملكًا مهزومًا، ليعود المجتمع المصري إلى آلهته التقليدية، تاركًا “آتون” وحيدًا.

يُظهر هذا الفصل كيف أن مأساة أخناتون كانت تكمن في عزلته كفرد يقف أمام قوة التقاليد والمعتقدات الجماعية. لم تكن المأساة مجرد فشل سياسي، بل كانت انعكاسًا لتحديات الفكر الفردي الذي يحاول تغيير واقع مجتمعي متجذر. بقرارته وتصرفاته، يُظهر أخناتون كزعيم مثالي لكن معزول، ما يعكس التحديات التي يواجهها أي مفكر يحاول تجاوز المفاهيم الراسخة.

الفصل السادس من رواية العائش في الحقيقة لنجيب محفوظ هو ذروة التراجيديا في حياة أخناتون، حيث ينتهي حلمه بالفشل والعزلة. يصور محفوظ شخصية أخناتون كملك عظيم يحمل رسالة سامية، لكن المجتمع لم يكن مستعدًا لتقبلها. يمثل هذا الفصل نهاية رحلة من التحديات والصراعات، ويجسد مأساة المصلحين الذين يقفون وحيدين أمام تيار قوي من التقاليد والمعتقدات الجماعية.